مئويّة أسفار عبد البهاء
مساواة الرجال والنساء
عندما تحدث حضرة عبد البهاء أثناء أسفاره في أوروپا وأمريكا وكندا من عام ١٩١٠ إلى ١٩١٣عن المشاكل والتحديات التي يجب على البشرية حلّها قبل أن تأمل في تحقيق الاستقرار والسلام في العالم، ذكر حضرته مشكلة المساواة بين الرجال والنساء التي تسبب في كثير من المجتمعات أزمات تبلغ حدتها درجة تنذر بتصدع الأسرة وبالتالي تهدد بانهيار كيانها الاجتماعي.
لقد مضى على هذا التحذير قرن من الزمن ومازال الخلاف يُبعد طرفي الخصومة ويحول دون التوصل إلى وفاق حول مبدأ المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، والإشكال ليس قصراً على مجتمعات بعينها فالتمييز ضد النساء والسياسات الداعمة له تقليد موجود في مختلف أنحاء العالم، مع تنوع في مظاهره واختلاف في الحجج الداعمة له من مجتمع إلى آخر، ولكن لا شك في وجود التمييز نفسه في مواجهة تحدّ متزايد من جانب المنظمات النسائية وإصرارها على تحقيق المساواة.
وضع المرأة في المجتمع ومركزها القانوني عنصر هام من مكونات النظام الاجتماعي، الذي يصعب تغيير أفكاره التقليدية الراسخة في قاعدته، خاصة عندما يرتبط الأمر أيضاً بالمعتقدات الدينية والتقاليد الموروثة. ويزداد الوضع تعقيداً إذا كان النظام الاجتماعي يشمل أكثر من مفهوم أيديولوجي وأكثر من اتجاه ديني ينظم العلاقات بين عناصر المجتمع، هذا بينما السلم الاجتماعي يحتم وجود نمط موحد للسلوك الاجتماعي كحد أدنى يتوافق عليه الشركاء في المجتمع، ويعتبرونه، من هذه الوجهة، دستوراً غير مكتوب يحكم الروابط فيما بينهم.
لقد مرت المجتمعات البشرية عموماً في تطورها بمراحل متشابهة قامت في الأصل على نظام الأسرة التي تكونت منها القبيلة والمدينة ثم الدولة الحديثة. ومع أننا لا نعرف الكثير عن المجتمعات المتقدمة في التاريخ لأنها لم تترك وصفاً موثقاً يفصّل نمط الحياة فيها خاصة فيما يتعلق بأوضاع المرأة، ولكننا نعرف أن في المراحل المتقدمة من التاريخ كان الغزو بين القبائل منتشراً وصورة من العلاقة المعتادة بينها، وكان سبي النساء أحد الدوافع من وراء هذه الغزوات في حياة البراري والبيداء علاوة على الخطف والغصب، أما في الحضر فقد أخذ اقتنائهن صوراً وأسماء متعددة يجمعها عموماً مفهوم البيع والشراء، وفي هذا المستوى الهمجي يُعتبر قانون حمورابي (حوالي ١٧٩٠ قبل الميلاد) الذي أقرّ شيئاً من الحماية للنساء من دون المساس بسيادة الذكور، تقدماً كبيراً نحو علاقة متحضرة بين الرجال والنساء.
وفي أعقاب العهد البابلي ظهر دين إبراهيم وتسلسلت الرسالات السماوية في ذريته مع اتجاه ملحوظ في كل منها لتحسين تدريجي لوضع المرأة الاجتماعي وحماية حقوقها، ولكن لم يخلّ أي منها بمبدأ السيادة الذكورية، وفقد حرص الدين على التدرج في تحسين أوضاع النساء بالتزام القدر الذي كانت تسمح به ظروف المعيشة ولا يخلّ بالاستقرار والتوازن الجماعي.
ولعل مراجعة سريعة لبعض ما نصت عليه تلك الأديان يعين في فهم التطور الذي مرت به العلاقة بين المرأة والرجل عبر التاريخ:
يذكر سفر التكوين قصة عصيان آدم وحواء ويحمّل حواء مسئولية مخالفة أوامر الربّ تحت تأثير غواية الحيّة، لذلك عوقبت بآلام الولادة والخضوع لسيادة رجلها: ”وقال للمرأة تكثيراً أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولاداً. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.“*1*
كما أن من بين تعاليم بني إسرائيل: ”لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك.“*2*
وأيضاً إعفاء النساء من بعض الشعائر: ”ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرّبّ“*3*
وفي العهد الجديد تفصح رسائل الرسل عن مكانة مختلفة للمرأة: ”فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. أما المرأة فهي مجد الرجل. لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. “*4*
ولكن سُمح للنساء بالاشتراك في كل الصلوات، ومُنحت النساء حماية من تعدد الزوجات ومن الطلاق المفاجئ من دون مبرر، ولكن بقي خضوعهن لسلطة الرجال: ”أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب. لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة. وهو مخلص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء.“*5*
وكذلك قوله: ”لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لستُ آذن للمرأة أن تُعلّم ولا تتسلّط على الرجل بل تكون في سكوت. لأن آدم جُبل أولاً ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التّعدّي.“*6*
وعلق الإسلام تعدد الزوجات ومعاملة المرأة عموماً بشرط العدل، وأعطى للنساء نصيباً من الإرث ملكاً خالصاً، وفرض نفقة لها عند الطلاق لمدد محددة، ولكن بقيت الولاية والإمارة: ”الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا.“*7*
كما قال تعالى في السياق نفسه:”وللرجال عليهن درجة.“*8*
ومن الواضح أن هذه القيود والامتيازات لا تقاس بما كانت عليه نظائرها في المجتمعات الوثنية والأزمنة الظلامية. فالدراسات التاريخية التي استطلعت حال القبائل والمدن الإغريقية القديمة تظهر أن التمييز ضد المرأة والقسوة في معاملتها كانا أسوأ مما كانت عليه حالة نساء العرب البدو في أيام الجاهلية.
والعبرة التي يمكن أن نستخلصها من ذلك الاستعراض التاريخي السريع أن الأوضاع النسائية والمراكز القانونية المتعلقة بالنساء كانت متغيّرة واختلفت الأحكام الشرعية التي تنظم أوضاعهن وفقاً لنمو الوعي الاجتماعي، وتغيير ظروف الحياة، وتقدم المرأة بالتدريج وفقاً لنسبة التعليم التي سمحت تلك المجتمعات للمرأة بالحصول عليها، مع الأخذ في الاعتبار التقدم الذي أحرزه تعليم النساء حيثما توفرت الكتب والمجلات للأفراد العاديين، وتوفر تشجيعهم على القراءة.
ودام ذلك الحال إلى أن انتابت العالم نقلة كبيرة مفاجئة مع حلول القرن التاسع عشر بدّلت من مكوناته وخلقت حقيقة جديدة لمجتمعاته وروابطه الاجتماعية والاقتصادية، وأدخلت تعديلاً كبيراً على دور المرأة في جوانب عديدة من الحياة، وخاصة قدرتها على المساهمة في الحياة العامة بدرجة متناسبة مع قدرتها على الكسب والاستقلال اقتصادياً، فنالت دوراً يقارب دور الرجل في أهلية المشاركة في الحياة العامة مع تفاوت في ذلك بين المجتمعات الغربية ونظيراتها في الشرق.
ومع كل ذلك بقي حق النساء في المساواة مع الرجال حلماً يداعب خيالهن إلى أن ترامت إلى أسماعهن كلمات عبد البهاء أثناء أسفاره في أورپا وأمريكا: ”تواجه البشرية في الوقت الحاضر مسائل في غاية الأهمية، مسائل خاصة بهذا القرن النوراني لم يكن لها ذكر في القرون السابقة، وبما أن هذا القرن قرن الأنوار، وقرن الإنسانية، وقرن الفيوضات الإلهية فهذه المسائل معروضة على الرأي العام في كل قطر من أقطار العالم للمناقشة بحثاً عن حلول لها.
وإحدى هذه المسائل تتعلق بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل. فقد كان الاعتقاد في العصور الماضية أن المرأة والرجل غير متساويين، بمعنى أن المرأة كانت معتبرة أقل قدراً من الرجل حتى من حيث تكوينها وخَلْقِها، وكانت معتبرة بصفة خاصة أقل ذكاء وسادت هذه الفكرة لدرجة أنها لم يكن مسموحاً لها لتتقدم إلى مسرح الشئون الهامة. وفي بعض البلاد ذهب الرجل إلى حدّ الاعتقاد بأن المرأة تنتمي إلى فصيل أقل من البشر. ولكن في هذا القرن قرن الأنوار وكشف الأسرار يثبت الله لنفع البشر أن كل ذلك كان وليد الجهل ونتيجة فهم خاطئ، حيث أنه ثبت بوجه قاطع أن الرجال والنساء بوصفهم من مكونات البشرية فهم متساوون ولا يجوز التمييز بينهم في القدر لأنهم جميعاً بشر. إن أوضاع المرأة في القرون الماضية كانت نتيجة لعدم وجود فرص متاحة لها فقد كانت محرومة من حق التعليم ومميزاته وتركت في حالة تخلف. في الحقيقة أن الله خلق كل البشر وفي نظره لا وجود لأي فرق بين رجل وأمرأة.“*9* [ترجمة تقريبية عن الانجليزية]
أدرك قادة الفكر والسياسة أهمية المبادئ المعنوية والتعاليم الروحانية في إنماء الوعي الاجتماعي والتقدم الفكري لدى الناس وتأثيرها في الحد من العنف ومقاومة الاندفاع إلى الحروب. فتوجه الاهتمام العالمي إلى تطعيم القانون الدولي بأحكام تحمي حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة. ولكن بعد أن عانى العالم ويلات حربين عالميتين تخللتهما معارك وحشية هلك فيها الملايين من الشباب وشمل الخراب المدن والقرى الأوروپية.
فاعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ ١٨ ديسمبر/كانون الأول ١٩٧٩ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ودخلت حيز التنفيذ في ٣ سبتمبر/أيلول ١٩٨١، وجاء في مادتها الثانية: “تستنكر الدول الأعضاء التمييز ضد النساء بكل أشكاله وتتفق على تبنى سياسة للقضاء على التمييز ضد النساء ولهذا الغرض تقوم بكل الوسائل المناسبة، ومن دون تأخيرعلى:
◦ النص على مساواة الرجال والنساء في دساتيرها أو تشريعاتها المناسبة الأخرى؛
◦ وتضمن بواسطة قوانينها وغيرها من الوسائل المناسبة التطبيق العملي لهذا المبدأ؛
◦ إصدار التشريعات المناسبة واتخاذ الوسائل الأخرى الكفيلة بمنع التمييز ضد النساء بما في ذلك فرض العقوبات.
وقد أوضحت اتفاقية القضاء على التمييز ضد النساء بأن هذا التمييز يشمل أي عمل يترتب عليه أو يكون الغرض منه حرمان النساء من التمتع بحقوق الإنسان بشكل مساو للرجال، سواء كان ذلك في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو أي مجال آخر.
فزاد زخم الحركات النسائية بهذا التقدم في الدفاع عن حقوقهن، وبعد انتزاعهن الحقوق السياسية وعلى رأسها حق الترشيح وحق الانتخاب وما تبعهما وبعد انتشار التعليم بين الإناث وإثبات قدرتهن على الاستقلال فكرياً ومادياً، إلى جانب تفرقة كثير منهن بين أوضاعهن الاجتماعية وبين معتقداتهن الدينية.
وعلى الرغم من سريان نصوص هذه الاتفاقية ومثيلاتها في بلاد الشرق، مازالت تظهر من حين إلى آخر بعض الأراء المتشددة في تحفظها متجاهلة مبدأ المساواة بين الرجال والنساء الذي انبثق من الوفاق الدولي سالف الذكر والذي أصبح جزءاً من قواعد القانون الدولي. ولا نعدم بعض المتشددين الذين يبدون تصوّرهم لمكانة المرأة ودورها الاجتماعي بصورة تحكي عن تفاوت صارخ في الحقوق بين الرجال والنساء، فيعلنون قوامة الرجال على النساء كمبدأ شرعي، وبناء على ذلك يصرّون على حصر دور النساء في خدمة الأسرة ورعاية الأطفال، ويعتبرون المرأة العاملة خارج المنزل إمرأة تخلّت عن أنوثتها وهجرت دورها الطبيعي بتقديم طموحاتها الفردية على أسرتها، وتحقق ذاتها بالصراع مع الرجل لا بمنطق التكامل الإنساني معه.
وتثير هذه الآراء ردود فعل قوية من منظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة فتعتبرها فكراً شديد الرجعية ومحاولة لفرض وصاية ذكورية على النساء تجسد مفاهيم التمييز وعدم المساواة، بل تسعى إلى تشويه صورة المرأة المساهمة بعملها خارج المنزل في مساندة أسرتها مادياً والقيام بواجبها في بناء المجتمع الحديث.
ولكن في مواجهة هذه الآراء ترتفع أصوات قادة الرأي في هذه المجتمعات نفسها، تختلف عما ذهب إليه المتشددون، حيث يقولون بأن الدين أعلن المساواة كمبدأ عام بين الناس جميعاً وفقاً لخلقهم الأول من دون تمييز بين رجل وامرأة. وهذه محاولة لإظهار صورة مختلفة للمكانة التي ينبغي أن تحظى بها المرأة إلاّ أنها لا تبدو كافية لإفحام المتشددين، ولا تنال رضا أنصار القضاء على التمييز ضد المرأة، لأن أساس هذا الرأي هو قصة خلق آدم وحواء التي روتها الأديان الإبراهيمية. وأقل ما يؤخذ على هذه القصة أنها تصطدم مع النظريات العلمية التي توصل إليها الإنسان في العصر الحديث بخصوص خلق الإنسان.
ولهذا يذهب الحريصون على أن تكون الحقائق الدينية متوافقة مع القوانين الكلية المسيرة لشئون الكون ومقبولة للعقل إلى القول بأن لقصة خلق آدم وحواء معان رمزية، ولذا يكون من السذاجة تأويلها حرفياً بناء معانيها على الألفاظ التي وصفت أحداثها على نحو لا يتفق مع العلم ولا يكاد يقبلها العقل.
كما أن منطق هذه القصة يصطدم بكثير من أحكام الدين، فمنطق الحجة التي تبني المساواة بين الجنسين على أساس مساواتهما في الخلق الأول يؤدي إلى بتطبيق الأديان مبدأ هذه المساواة في أحكامها التفصيلية، ولكن على عكس ذلك لم تساو سلسلة الأديان السماوية التي وصلتنا مثل اليهودية والمسيحية والإسلام بين الجنسين في الحقوق ولا في المكانة الاجتماعية، بل نجدها صريحة في فرض سيادة الرجل، وتأمر النساء بالخضوع لأزواجهن وبطاعة شبه عمياء.
ولعل ثقافة العنف التي تجيزها تلك الأحكام لإرغام المرأة على الطاعة في داخل الأسرة إلى حدّ ضربها لم تعد تناسب حاضرنا. فالأسرة هي الخلية الأساسية في بناء المجتمع الحديث، وينبغي أن يكون أساس الروابط فيها التعاطف والتآزر بعيداً عن العنف أو إهدار الكرامة الإنسانية، والاعتماد في حلّ خلافاتها على الحب المتبادل ورغبة المشاركة في مواجهة متطلبات الحياة بالتضامن القائم على المصلحة المشتركة. إن عهد الحكم الفردي قد انقضى إلى غير رجعة، داخل الأسرة وخارجها، ليفسح المكان لنظام قائم على التشاور بوعي نام للتوصل إلى وفاق مشترك يأخذ في اعتباره تحقيق الوئام والسعادة لأفراد الأسرة بأكملها.
هذه هي نوعية التغيير الفكري التي جدت على مجتمعاتنا، ولو أن التغيير الذي بدأ في هذه المجتمعات لم يصل أثره إلى أبعد من السطح، إلاّ أن من العبث محاولة إنكار وجود وعي جديد فيها، ولا شك أن قوى التغيير ستواصل توغلها في أعماق المجتمع إلى أن تجد طريقها إلى نهج التفكير، وأساليب السلوك حتى تصل إلى نبذ الأوهام المتوارثة، وعندئذ يكون التغيير قد مسّ سويداء قلب هذه البقاع من العالم.
وبالرغم من وجود روح التغيير ومن جهود منظمات المجتمع المدني والهئيات الدولية وقادة الفكر المتحرر طوال أكثر من ستين سنة من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة، فإن هذه الجهود لم تعط النتائج المرجوة منها، وليس فيها ما يسمح بالتفاؤل في تغلبها على التقاليد المتوارثة.
وهذا يبيّن الحدود التي تقف عندها قدرة الإنسان وحده على تغيير الأفكار الراسخة في المجتمع عن مكانة المرأة ودورها في المجتمع، وحاجة الإنسان إلى مبادئ معنوية تؤازر جهوده في التغيير واستبدال النظم التي أرست تبعية المرأة للرجل حتى لا تديم قوامته عليها.
وقد أكد حضرة عبد البهاء في خطابه في معبد المعمدانيين بفيلادلفيا في ٨ يونيه/ حزيران ١٩١٢ أن الرجال والنساء متساوون أمام الله وكلهم من سلالة آدم ثم تناول الموضوع نفسه وأضاف إلى ذلك في حديثه بكنيسة المسيح بمومنتريال في أول سبتمبر/أيلول ١٩١٢: ”إن الرجل والمرأة كليهما إنسان وكل منهما عبد لإله واحد، وليس لدى الله ذكور وإناث بل كل من كان قلبه أطهر وعمله أحسن كان مقرباً أكثر لدى الله سواء أكان رجلاً أم امرأة. وهذا التفاوت المشهود الآن بين الرجل والمرأة ناتج من تفاوت التربية لأن النساء لا يربين [بمثل التربية التي ينالها] الرجال، فإن نال النساء والرجال التربية نفسها على حدّ سواء فإنهم يتساوون في جميع المراتب لأنهم كلهم بشر ومشتركون في جميع المراتب ولم يجعل سبحانه وتعالى تفاوتاً بينهم.”*10*
وذلك يعني في فهمي أن مبدأ المساواة بين الرجال والنساء ليس وليد التطور الذي طرأ على الإنسانية، بل هو حق طبيعي نابع من تساويهما في الخصائص الإنسانية وتساوي عناصر خلقهما، أما النقص في حقوق النساء الذي وقع في الماضي فهو من صنع الإنسان وليس من وحي الأديان. فالتفرقة بين الذكور والأناث في التربية والتعليم، والتفرقة في معاملة منذ مراحل الطفولة، والصورة التي يعكسها المجتمع عن مكانة كل من الذكور والإناث، هي من الأسباب المباشرة المؤدية إلى تفاوت قدر كل منهما. أما الأديان السماوية فعلى العكس سعت في التخفيف من هذا العوج بالتدريج المتناسب مع نمو الوعي الإنساني وتقدم مدارك كل من الرجال والنساء معاً وبقدر ما سمحت به ظروف الحياة.
فالتحدي الذي يواجه الشعوب في أثناء مرحلة الانتقال التي تخوضها في الوقت الحاضر، بما يشوبها من عدم الثقة والقلق، هو التركيز على تحديد المبادئ الكفيلة بإرشاد مجتمعاتها إلى التغيير الفكري الضروري، وباستبدال قواعد السلوك القديمة حتى يمكنها أن تعيد تنظيم حياتها في عهدها الحديث، بعد أن تبَدّلَ واقع الحياة في العالم أجمع وأصبح عالماً جديداً مختلفاً بكل المقاييس.